رواية حفص عن عاصم

التعريف بهذا المصحف الشريف

الحمد لله الذي علّم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، القائل في مُحكم التّنزيل:

( وأنزل الله عليك الكتب والحكمة وعلّمك ما لم تكُن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً) والصلاة والسلام على من أُنزل عليه القرآن، فعلِمه وعلمهُ، وبلّغه وبيّنه، وصدق الله العظيم:

( وأنزلنا إليك الذكرَ لِتُبين للناس ما نُزِّّلَ إليهم ). اللهم صلّ وسلّم على سيّدنا محمّد المبلغ عن ربه:( وما ينطق عن الهوى إنْ هو  إلاّ وحيٌٌ يُوحى ) وعلى آله وصحبه أجمعين .وبعد:

فإن من أفضل ما يسعى إليه المسلم ويجدُّ في طلبه، هو رضا الله تعالى والتّقّرب إليه بالعبادات، وألوان الطّاعات، والتي من أجلها الاهتمام بكتاب الله العزيز، الذّي لا يملّه السّامع، ولا يشبع منه العالمُ، ولا يَخلَقُ على كثرة الردّ، أحكم الله صيغته ومبناه، وأتمّ لفظه ومعناه ، وهيّأ له في كلّ زمان من يقوم بحفظه وتحفيظه، تحقيقاً لوعد البارئ جلّ وعلا:

            ( إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحفظون ).

فمن مهبط الوحي حفظته قلوب الصّحابة ونقلته ألسنتهم إلى المدن والقرى والأرياف، غضًّا كما أنزله ربُّ العزّة على قلب محمد صلى الله عليه وسلّم، وتواتر حفظه في الصّدور، وتدوينهُ في السّطور، وحرص على ذلك المسلمون جيلاً بعد جيل، آملين أن تتحقق فيهم الخيريّة التي أكّد عليها رسُو ل الله صلى الله عليه وسلم في قوله:

           ( خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه ).

ومن نعم الله تعالى أن كان القرآن الكريم أسّاً وعماداً ، وتعهّدت بنشره والدعوة إليه في الداخل والخارج، وأنشات جمعية الدعوة الإسلامية لتتولى الاهتمام بطبعه ونشره وتعليمه والدعوة إليه في مختلف قارات لعالم، فكان أن طبعت مصحف الجماهيرية برواية قالون عن نافع المدني وبالرسم العثماني وفق اختيار أبي عمرو الدّاني، وهو سبق في مجاله قدّمته الجمعية هديّة للمسلمين، فلقى الرّضا والقبول.

كما أنجزت طباعة المصحف لشريف برواية الإمام ابن كثير، قارئ مكة المكرمة، وهو الذي يُطْبع لول مرة في العالم الإسلامي، واليوم تقدّم جمعية الدعوة للمسلمين” المصحف الشريف برواية حفص عن عاصم” في طبعة تميزت في خطها وتنسيقها وعدم تركيب حُروفها.

وهي غذ تضيف هذا الإنجاز إلى رصيدها السابق في مجال طباعة المصاحف القرآنية ونشرها بمختلف الروايات المتواترة، تأمل من الله تعالى التوفيق والسداد، وأنينفع به المسلمين.

وقد وضعت لجنة إعداد هذا المصحف خُطة أهمُّ معالمها ما يأتي:

1 ـ اختيار الضّبط المشرقيّ في كتابة المُصحف لكثرة انتشاره بين المسلمين، ولأنّ اغلب المصاحف السابقة قد كُتبت به.

2 ـ إخضاع أشكال خطّ النسخ الذي كُتب به المُصحف لقواعد الكتابة وأصُولها المتعارف عليها في كتابة القرآن الكريم، وليس العكس.

3 ـ تجنب كتابة الأحرف المركب بعضها فوق بعض الكلمة الواحدة، والتقيّد بكتابة أحرف كلّ كلمة متتابعة على سطر واحد، وإعطاء كل حرف في الكلمة حجمهُ الطبيعيّ المستقل بذاته من غير أن ينقص على حساب تمام حرف آخر ملاصق.

4 ـ الحرص على وضع النُّقط والحركات في أماكنها المحدّدة لها تحت الحرف أو فوقه، ومنع ابتعاد النقطة أو الحركة عن موضعها، أو امتداد الحركة على الحرف الذي قبل حرفها أو بعده.

5 ـ كتابة السّنّ في كل مواضعها بارزة واضحة ، وإلغاء السّنّ المقوسّة في خطّ النّسخ.

6 ـ التقليل من تنوع أشكال بعض الحروف في خط النّسخ، والاقتصار على شكل واحد منها، كتوحيد شكل الرّاء والزّاي في أول الكلمة ووسطها وآخرها، وتوحيد شكل الميم واللآم في آخر الكلمة.

7 ـ كتابة الميم بدائرتها المُفرغة في كل مواضعها، وعدم استعمال الميم المطمُوسة الدّائرة ، وكتابة أحرف الجيم والحاء والخاء مفتوحة في مقدمتها وعدم كتابة مغلقة لوقع موقع الألف بلا سنّ.

8 . تحديد موضع الألف المحذوف بدقة بعد الحرف المفتوح الممدود وفتحه، وقبل الحرف الذي يليه، وفي ترتيب واحد مع بقية أحرف الكلمة بحيث لو امتدّ إلى أسفل لوقع موقع الألف الثابت.

9 . ما رُوعِى كذلك ملحقاته وأسماء السُّور والأحزاب وغيرها.

وكان فراغ اللجنة من عملها ” في الإعداد والتصحيح والمراجعة والمراقبة والتدقيق ” بتاريخ 17 رجب 1377 من وفاة الرسول  الموافق ” 2009.7.10 مسيحيّ “، سائله المولى العليّ القدير أن تكون قد وُفِّقت في مهمتها، وأنجزت عملها خدمة لكتابه العزيز، وأن يجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم.

رواية هذا المصحف ومصطلحات رسمه وضبطه وعدّايه:

روى الإمام حفص بن سليمان بن المغيرة الأسديّ الكوفيّ القراءة عرضاً وسماعاً عن القارئ الإمام عاصم بن أبي النجّود الكوفيّ التابعيّ، عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن حبيب السُّلمي عن عثمان بن عفان وعليّ بن أبيّ طالب وزيد بن ثابت وأبي بن كعب رضى الله عنهم جميعاً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.

ــ أُخذ هجاء رواية الإمام حفص مما رواه علماء الرسم عن المصاحف التي بعث بها الخلفية الثالث      ” عثمان بن عفان ” رضى الله تعالى عنه وأرضاه ـ إلى البصرة والكوفة والشام ومكة والمصحف الذي جعله لأهل المدينة، والمصحف الذي اختص به نفسه، وعن المصاحف المنتسخة منها، وقد روعى في ذلك ما نقله الشيخان أبوعمرو الدّاني وأبو داود سليمان بن نجاح، مع ترجيح الثاني عند الاختلاف.

ــ وأُخذت طريقة ضبطه مما قرذره علماء الضبط على حسب ما ورد في كتاب ( الطّراز ضبط الخرّاز ) للإمام التنسيّ مع الأخذ بعلامات الخليل بن أحمد وأتباعه من المشارقة.

ــ اتُّبع في عّ آية طريقة الكوفييين، وفق ما ورد في ( ناظمة الزّهر ) للإمام الشاطبيّ وغيرها من الكتب المعتمدة  في علم الفواصل.

ــ وأُخذ بيان من مكيّة ومدنيّة من كتب القراءات والتفسير وعلوم القرآن على خلاف في بعضها.

سجدات هذا المصحف:

ذُكرت في هذا المصحف السجدات القرآنية المتفق على السجود فيها بين أئمة الفقه الأعلام، والمختلف فيها بينهم، وهي خمس عشرة سجدة في الهامش الأيمن أو الأيسر، ولم يُذكر أن سجدة ما هي لغير مالك، أوهي سجدة المذهب ” كذا “، تجنباً لذكر الخلاف الفقهيّ في مصحف شريف، وحرصاً على إثبات كل السجدات القرآنية المقررة لدى كل المسلمين، ليسجد من شاء فيها جميعاً،  أو يسجد منها ما يُوافق مذهبه الفقهي، إذ لا يضير القارئ شيئاً أن يجد في موضع ثبت فيه السجو عن رسل الله (  ) عند بعضهم ولم يثبت لدى بعضهم الآخر، لأن السجود في ذاته عبادة جليلة فيها الخير والفضل والبركة، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وهو مأجور إن شاء الله.